تعطي إضافة الدقيق والماء إلى الخميرة إشارة البدء لعملية مدهشة ساحرة تنتهي بخبز رقيق لذيذ الطعم. موقع "بي بي سي فيوتشر" يستكشف هذه الكيمياء.
تشبه صناعة الخبز عملية نسج لبعض الخيوط معا، وإذا أمعنت النظر في كيفية إتمام العملية لتعجبت كيف تسنى لإنسان ما أن يفكر في هذا الأمر أول مرة، وكم من الوقت تحديداً استغرقه الوصول إلى هذا التصور المذهل.
وصناعة الخبز، بأوسع معاني الكلمة، عبارة عن خلط الفطر المنتج لثاني أكسيد الكربون أو ما نسميه الخميرة بالماء والدقيق. ثم تتدخل يد الخباز لتصنع هيكلا يدفع الخميرة إلى إطلاق غاز محدد إلى عجينة الماء والدقيق، وهو ما يدفعها بدورها إلى تشكيل هيكل لدن محكم أنيق.
وبعد أن يترك ذلك الخليط لينضج تحيل الحرارة هذا الهيكل إلى شكل دائم، أو دائم إلى الحد الذي يمكن أن يكون عليه الخبز الجيد الطازج كأفضل ما يكون قبل التهامه.
والعملية الكيماوية الكامنة وراء كل وصفة خبز تتمثل في تحول الجزيئيات الطويلة من الخليط إلى شبكيات، وهذه العملية تحدث في الكثير من أنواع الأطعمة، وهي التي تخلق الأذواق والتركيبات التي تنتشر بشكل واسع، وذلك بحصر كل شيء من الماء إلى الدهن.
وفي حالة الخبز تسمى الجزيئيات المعنية هنا بالجلوتين، وهي من أسرة بروتينات القمح الضرورية واللازمة لقوام الخبز .
وعندما يختلط دقيق القمح بالماء تبعث الحياة في خيوط الجلوتين الطويلة واللدنة، فوجود الماء في أوساط هذه الخيوط يؤدي إلى تراخيها، ومن ثم إلى نوع مما يمكن أن نطلق عليه التواصل الاجتماعي، إذا صح التعبير، مع بعضها البعض.
وبمساعدة بعض من الأكسجين تبدأ هذه الخيوط في الارتباط ببعضها البعض من الأطراف. وهذه السلاسل الطويلة تلتصق أيضا بجاراتها، وعندما يجري عجن ذلك الخليط أو العجينة، تفقد هذه الخيوط الارتباطية أشكالها، ومن ثم تتشكل روابط جديدة مرة تلو الأخرى.
التغذية والفرد
ثمة كريات صغيرة من بروتين القمح تسمى جليادين تعمل على الحفاظ على مادة الجلوتينين في حالة ليونة في هذه العملية. ومع استمرار عملية العجن يصبح الجلوتينين أكثر التصاقا مع بعضه البعض مما يشكل جملة البروتينات المشبعة بحبوب النشا والتي تعرف باسم الجلوتين.
وكلما زادت عملية العجن، توفر لديك خبز أكثر صلابة وأيسر مضغا، أما العجن بخفة فمن شأنه توفير قوام أخف، مثلما يحدث عند صنع خبز الحلوى.
العجينة الجديدة بفقاعاتها المتحركة تستقر عندما تضعها جانبا لتدع الخميرة تعمل عملها، وبمرور الوقت تتراخى تلك التشبيكات، والأواصر بين البروتينات، مما يسمح للعجينة بالتمدد بفعل الغاز التي تطلقه الخميرة.
هذا الارتخاء هو الذي يفسر السبب في ضرورة أن تستقر العجينة لبعض الوقت قبل أن نبدأ في فردها وتشكيلها، وهذا ما تلاحظه إذا ما قدر لك أن تصنع الكعكة المسطحة الدائرية من دقيق الذرة.
وإذا لم تتحل بالصبر، فستجد الكعكات في مراحلها الأولى وقد كشرت لك وعادت بعناد شديد إلى شكلها الأصلي، ولن تظل مسطحة ما لم تأخذ الجلوتينات وقتها لتخفيف تماسكها و ارتباطها ببعضها البعض.
الآن، هناك الآلاف من الفقاعات الصغيرة في العجينة بفعل عملية العجن ذاتها، وتبدأ الخميرة التي تتغذى على نشويات الدقيق في فردها وتفريغها. ويتخذ الغاز له مسارا عبر المسارات الدقيقة المتبعثرة في الخبز مما يؤدي إلى انتفاخ الجيوب الصغيرة فيما يشبه بالونات الهواء الساخن.
وبعد مدة وجيزة، وهذا يتوقف على نوع الخبز الذي تصنعه، يأتي الدور على عملية عجن كرة العجينة المنتفخة بشدة، او تطبقها برفق على نفسها وتركها ترتفع مرة أخرى، وهي عملية يمكن أن تكررها عدة مرات لحفز عملية نضج نكهة الخبز، لأن الخميرة لا تفرز الغاز فقط، لكن أشياء أخرى ألذ طعما. لكن في نهاية المطاف، يكون مآل الرغيف المنتفخ إلى نار الفرن.
هناك وسط تلك النيران، تستعر الخميرة، وتحول الحرارة الماء إلى بخار ماء، وينتفخ الخبز، وتتصلب شرايين النشويات، وتتخذ الشبكة التي تشكلها جزيئيات البروتين شكلها النهائي.
والناتج هو عبارة عن خبز متخمر، وقابل للمضغ، وجاهز لاستقبال مسحات الزبدة الدافئة، وهو منتج لا ينسى، وعجيبة من إحدى العجائب التي قد لا نفطن إليها إلا إذا ما فكرنا في دقة وتعقيد تلك العملية. لكن يظل الإنسان، في نهاية الأمر، مستعداً لفعل أي شيء من أجل الفوز بقضمة خبز