انا وصاحب الحمار

كان يوم شديد الحرارة , هبطت معه الشمس حتى دنت دون الغمام , و روت عطشها من ريقي حتى جف باطني , ولفحتني هبات, كانما تحررت حديثا من الجحيم .

كان صديقي الحصان يلازمني , ان تجاوزني لم يتجاوزني بعيدا حتى أجاريه , و ان شق عليه دربي دنوت منه حتى الاقيه , وهكذا مضينا سويا طول سفرنا , نتبادل الوفاء بالوفاء.

مر بي واحد من الناس , كنت اعرفه صغيرا , وكان يمتطي ظهر حمار , لم تكن حال حماره تسر عدوا ولا صديق , ورغم ذلك , فقد كان هذا المبتلى , مطيعا قنوعا لا يخالف صاحبه ما اشار له ببنان .
ضحك صاحب الحمار بملء فيه ,, حتى كادت اطراف فيه تلتقي و شحمتيه , وهز راسه ساخرا ,, أأنا امتطي حمارا هزيلا على ضعفه ووهنه ,فيما انت وقد و هبك الله هذا الحصان , تمشي الى جواره !!!
فاجبته حالا بما اعرف من خصال الادب , وحسن الخلق , ورحمة غلبتني حتى تمكنت مني, ان اليوم حره شديد , ونسيمه لاهب, و طريقي مليئة بالعثرات , وما زلت قادرا على المسير , فليكن اليوم لحصاني , عله ياتي غدا اشقَّ من يومنا هذا فيحملني .
ضحك صاحب الحمار مرة اخرى وتركني مكملا مسيره .

وصلت وحصاني عين الماء , وقد انهكتني وعورة الطريق , واكتوت جبهتي بسياط الشمس الحارقة , حيث وجدت صاحب الحمار هناك , و قد ارتوى وحماره ,, واتكأ يستضل تحت شجرة في المكان .

فتركت حصاني ينهل من عين الماء ويرتع من الحشائش المحيطة بها , نعمة حباها الله للمكان , لم ارد ان احرمه اياها , و توجهت الى الشجرة حيث صاحب الحمار لارتاح بدوري .
وفيما نحن نتحادث عن الحال والاحوال ,,وعن ضيق العيش , وقلة راحة البال , رايت حصاني وقد انتفض من مكانه ناصبا اذنية , رافعا ذيله الطويل ,, فنظرت حيث وجهته , فاذا هي غبرة عافرة , تشبه السراب من بعيد , انطلق حصاني نحوها مسابقا الريح , فرحت اجري خلفه بكل جهد امكنني , اناديه بالعودة دون جدوى , حتى توارى عن عيني نحو فرس شده جمال عنقها , وحجال ساقها , واغواه صهيلها و اهتمامها به .

وبينما انا اركض سقطت من قوامي على الارض من شدة الاجهاد , دون ان يابه بي حصاني او حتى يدني من سرعته , ودون ان يلتفت لما قد يصير اليه حالي , الى ان ادركني صاحب الحمار, فاركبني خلفه على ظهر حماره , الذي لم يغدر بصاحبه ولم يتخلى عنه رغم قسوة معاشرته وشدة أذاه .
فعدت وحيدا دون حصان كنت وفيت له ورحمت به ,, فيما عاد صديقي صاحب الحمار بحماره .

الكاتب: داود ابومويس
شبكة البلد - الخميس 19 / 03 / 2015 - 01:38 صباحاً     زيارات 1986     تعليقات 0
عرض الردود
أضف تعليقك