حرب ألكترونية ضخمة تمطر فوق رؤوس الناس، لو نزل هطيلها فوق جبل جلمود، لَكَسر ظهره وصيّرهُ رمادا تذروه عواتي الرياح. الضرر والعطب الذي يخلّفه الجيش الإلكتروني المرتزق ووسائط إيصاله على الوعي الجمعيّ للرعية، يكاد يكون ألعن وأقسى من مثيله المصنوع بمطابخ التلفزيونات الفضائية._169
أمام مشهد التخلف والأمية وتهجير الذاكرة وانقراض القراءة، سيُطحن تأريخ الشعوب المريضة المهزومة التي ليس تحت يمينها مصدات ومضادات حيوية تشفيها وتحميها من سيل الضلالات والخزعبلات ومنبوشات الخرافة الميتة.
هؤلاء الأبالسة يتكئون على الغاطس البعيد من قصص السقائف وأخواتها، فيملّحونها ويبهّرونها ويطيّبونها ويعجنونها ويخلطونها بالنعناع والطيب والمسك والريحان، فتدخل دماغك مثل ديدان شرهة وتأكل آخر سواتر العقل، فتستسلم لها، فتشيل سيفك البتّار وتخرج إلى الشارع وتصيح الثأر ثم الثأر، ولسان حال الشيطان الذي استغباك واستحمرك يقول: يا لبهجتي وسعدي، فما ظننتك غبيا وسهلا.
خطورة هؤلاء ليست كامنة في خبثهم ودهائهم ودولاراتهم التي يبّست الضمائر وجففت العقول فحسب، بل في تلك الأقنعة السميكة وماكياج الخديعة الذي يضعونه على وجوههم وعلى أجسادهم، حيث يضيع الجدل معهم وتتيه بوصلة الحوار بالتي هي أحسن وأنفع وأجدى، لأنك إن صرفت عليهم نصف دم قلبك، فسوف تكتشف لاحقا أنك إنما كنت تحاور أشباحا.
من المعقول جدا والمفهوم السهل حتما أن يوجد في هذا الجيش القذر، إسرائيلي وإيراني وأميركي وتركي وأفغاني وغربي مسشرق، يدخل على خط النقاش، ويصب زيتا معدّا سلفا، فيواسي هذا بواقعة ضلع الزهراء وولاية عليّ، ويناصر ذاك في مسألة إرضاع الكبير ودخول المرحاض بالقدم اليمين، وأخيرها حقّ الرجل بأكل لحم زوجته في حال الجوع، ومسألة جواز أكل الخراف المذبوحة ببلاد الإفرنجة حتى لو أصيب شريط مسجّل الشهادة بعطب فنّي، في اللحظة التي تنزل فيها السكين فوق رقبة الثور المسكين، وهكذا دواليك ودواليَّ ودواليها!
نحن نعيش اليوم مصيبة تمشي على ألف قدم. نأكل اللحم والرز والحنطة والجبن والشوكولاتة والذرة، ونشرب الحليب وعصير الفاكهة ونقلي بزيت ودهن قد يكون من صنف دهن الخنزير مثلا، ونلبس ونركب مما تصنعه مصانع البشر الذي يسمونه مفتونا بالكفرة والمشركين، في واحدة من أعظم ازدواجيات العصر المريض القائم.
يكذب ويسرق ويقتل ويزور ويرتشي، فإن مدّتْ له امرأة يدها للمصافحة، سحب كفّه مثل ملدوغ أفعى، وزرعها فوق قلبه علامة ردّ السلام.